تبسيطاً، يمكن القول إن للحياة العامة أربعة مجالات (Fields) رئيسة، هي: السياسة، الاقتصاد، الأمن، الاجتماع (ويشمل مجال الاجتماع كل ما عدا الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية). والحياة العامة هي التي تتعلق بالشأن العام، وبكل المجتمع، ومجالاتها متداخلة، ومترابطة جداً في ما بينها، ولكل مجال مئات الجوانب والتفرعات. ومعروف، منذ أقدم العصور، بأن إدارة المجتمع (سياسته) تعتبر أهم عامل في تحديد مدى قوة ورفاه ذلك المجتمع/البلد. فتلك الإدارة يمكن أن تعمل (إيجاباً) لرقي ذلك المجتمع وتطوره، ويمكن أن تعمل (سلباً) بما يؤدي إلى تخلفه، أو حتى انهياره.
ولقد استقر رأي علماء السياسة والعلاقات الدولية خاصة، على أن مدى قوة أي دولة يتحدد بالعناصر الستة المعروفة: البيئة والموقع الجغرافي، كم ونوع السكان، الموارد الطبيعية، القوة الصناعية، القوة العسكرية، القيادة السياسية (السياسة). وكلما توفر كل من هذه العناصر بشكل إيجابي، كلما ساهم ذلك (إيجاباً) في تقوية الدولة. والعكس صحيح تماماً.
وضمن عناصر القوة، تظهر (على كل المستويات) القيادة السياسية كأبرز هذه العناصر. فالسياسة هي: «مديرة» ومدبرة كل مجالات وجوانب الحياة. وهذا ما يجعلها أهم ظاهرة (إنسانية ـ اجتماعية) في حياة الإنسان العامة. إن المجالات الاجتماعية والاقتصادية، والأمنية، وفروعها الكثيرة، تظل من أهم محددات سلوك أي مجتمع، وتحديد مكانته، ووضعه، ضمن المجتمعات الأخرى. ولكن مجال «السياسة»، يظل الأهم... بسبب أن السياسة تعني إدارة نشاطات وفعاليات بقية المجالات... وتلك الإدارة يمكن أن تقود المجتمع، بإمكاناته، إلى القوة والرفعة، أو إلى الضعف والتخلف.
* * * *
وهناك أمثلة يومية لا تحصى، تؤيد هذا الاستنتاج... لذلك، كثيراً ما يقال: «فتش عن السياسة»...عند التصدي لتقييم مدى قوة أي دولة، أو تحليل وضعها الاقتصادي والاجتماعي والأمني العام. فالوضع العام الذي تكون عليه أي دولة، يمكن رد سببه الأساسي إلى سياستها أولاً. وهناك ما يعرف بـ«التنمية» التي تعني -ضمن ما تعني غالباً- محاولات الرقي (الإيجابي) بمستوى مجتمع أو شعب ما، ليكون في مستوى من القوة، يضارع أو يشابه أمثاله، من الشعوب الأخرى المعاصرة له. ولقد استقر رأي علماء السياسة على أن لهذه التنمية أبعاداً أربعة. فهناك تنمية اقتصادية، وأخرى اجتماعية، وتنمية سياسية، وأخرى أمنية. وهي المجالات الرئيسة للحياة العامة، كما أشرنا.
ولا بد عند الشروع في «التنمية»، من العمل في كل هذه المجالات الأربعة (المترابطة) مجتمعة. إذ لابد وأن يكون هناك توازن في ما بينها، فلا يطغى الاهتمام بمجال منها على المجالات الأخرى. فالتنمية الاقتصادية (مثلاً) لابد وأن تصاحبها تنمية اجتماعية وسياسية وأمنية ملائمة، وإلا اختل التوازن... وتعثر التطوير. وفي أكثر الحالات، لا يمكن الشروع في التنمية الاقتصادية المتكاملة والتنمية الاجتماعية الشاملة، دون أن يلازم ذلك تنمية سياسية ملائمةـ على اعتبار أن بالإمكان إدراج مجال «الأمن» ضمن مجال السياسة.
* * * *
إن «علم السياسة» يستمد أهميته من أهمية وخطورة مادته (السلطة السياسية)، بالنسبة للحياة البشرية العامة. ولعل أبرز مظاهر أهمية «السياسة» (الشؤون السياسية) وأكثر ما يوضح تلك الأهمية هو أن الأخبار والأحداث السياسية تحتل دائماً المقدمة... في اهتمامات الناس، وتلفت جل نظرهم، وتستحوذ على معظم فكر معظمهم. وذلك، لأن الأحداث السياسية تؤثر في أغلب الوقائع والأحداث ـ تقريباً. لهذا، تأتي أولاً، وفي الصدارة... بالنسبة لبقية الأخبار والأحداث. فـ«السياسة» تسيطر غالباً في أغلب الأحداث الكبرى.
* * * *
وفى ظل الحركة الدؤوبة لتطوير التعليم في بلادنا العزيزة، ومحاولات إدخال «مناهج» ومقررات حديثة جديدة في التعليم العام، كمواد في التربية الوطنية، وحقوق الإنسان، والقانون، والفلسفة، وما إلى ذلك، حبذا لو تتم دراسة إدخال مادة «مبادئ علم السياسة»، أو «أساسيات السياسة» في مناهج المرحلة الثانوية، أو في بداية الدراسة الجامعية، ضمن المواد الأساسية، كالثقافة الإسلامية، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية، وغيرها. وبالطبع، يستحسن نزع التعقيد الأكاديمي من هذه المادة، وتبسيطها لكافة الطلاب، مهما كانت خلفيتهم.
إن أي متعلم، أو مثقف، يحتاج -بالضرورة- إلى فهم مبادئ وأسس السياسة، علمياً. لأن معظم هذه المبادئ والأسس تعتبر من أساسيات وعناصر الوعي والثقافة العصرية الناضجة. فمَن، في هذا العصر، لا يحتاج إلى معرفة ماهية السياسة، والمعرفة السياسية، وماهية الدولة، والحكومات، والأحزاب السياسية، والتنظيم الدولي، والنظام العالمي...الخ؟! ونكرر، إن أهمية علم السياسة نابعة، من كون الظاهرة التي يتناولها (السلطة السياسية) أهم الظواهر في الحياة العامة للإنسان... بسبب تأثيرها العميق (إيجاباً وسلباً) في الشأن العام للبشر.
وأهمية مادة مبادئ علم السياسة، للمتعلم والمثقف، تأتى من كونها تحتوى على المبادئ والمفاهيم والنظريات الأساسية... التي تمهد لدراسة وفهم السياسة، وبقية العلوم الاجتماعية، وتمثل، في ذات الوقت، موضوعاً لا غنى عن فهمه، لكل المتعلمين والمثقفين (مهما كان تخصصهم).
إن الدراسة الجادة لتبني تدريس هذه المادة، كمادة ثقافة عامة، ستؤكد أهميتها، وضرورتها، في تعليم حيوي متطور.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
ولقد استقر رأي علماء السياسة والعلاقات الدولية خاصة، على أن مدى قوة أي دولة يتحدد بالعناصر الستة المعروفة: البيئة والموقع الجغرافي، كم ونوع السكان، الموارد الطبيعية، القوة الصناعية، القوة العسكرية، القيادة السياسية (السياسة). وكلما توفر كل من هذه العناصر بشكل إيجابي، كلما ساهم ذلك (إيجاباً) في تقوية الدولة. والعكس صحيح تماماً.
وضمن عناصر القوة، تظهر (على كل المستويات) القيادة السياسية كأبرز هذه العناصر. فالسياسة هي: «مديرة» ومدبرة كل مجالات وجوانب الحياة. وهذا ما يجعلها أهم ظاهرة (إنسانية ـ اجتماعية) في حياة الإنسان العامة. إن المجالات الاجتماعية والاقتصادية، والأمنية، وفروعها الكثيرة، تظل من أهم محددات سلوك أي مجتمع، وتحديد مكانته، ووضعه، ضمن المجتمعات الأخرى. ولكن مجال «السياسة»، يظل الأهم... بسبب أن السياسة تعني إدارة نشاطات وفعاليات بقية المجالات... وتلك الإدارة يمكن أن تقود المجتمع، بإمكاناته، إلى القوة والرفعة، أو إلى الضعف والتخلف.
* * * *
وهناك أمثلة يومية لا تحصى، تؤيد هذا الاستنتاج... لذلك، كثيراً ما يقال: «فتش عن السياسة»...عند التصدي لتقييم مدى قوة أي دولة، أو تحليل وضعها الاقتصادي والاجتماعي والأمني العام. فالوضع العام الذي تكون عليه أي دولة، يمكن رد سببه الأساسي إلى سياستها أولاً. وهناك ما يعرف بـ«التنمية» التي تعني -ضمن ما تعني غالباً- محاولات الرقي (الإيجابي) بمستوى مجتمع أو شعب ما، ليكون في مستوى من القوة، يضارع أو يشابه أمثاله، من الشعوب الأخرى المعاصرة له. ولقد استقر رأي علماء السياسة على أن لهذه التنمية أبعاداً أربعة. فهناك تنمية اقتصادية، وأخرى اجتماعية، وتنمية سياسية، وأخرى أمنية. وهي المجالات الرئيسة للحياة العامة، كما أشرنا.
ولا بد عند الشروع في «التنمية»، من العمل في كل هذه المجالات الأربعة (المترابطة) مجتمعة. إذ لابد وأن يكون هناك توازن في ما بينها، فلا يطغى الاهتمام بمجال منها على المجالات الأخرى. فالتنمية الاقتصادية (مثلاً) لابد وأن تصاحبها تنمية اجتماعية وسياسية وأمنية ملائمة، وإلا اختل التوازن... وتعثر التطوير. وفي أكثر الحالات، لا يمكن الشروع في التنمية الاقتصادية المتكاملة والتنمية الاجتماعية الشاملة، دون أن يلازم ذلك تنمية سياسية ملائمةـ على اعتبار أن بالإمكان إدراج مجال «الأمن» ضمن مجال السياسة.
* * * *
إن «علم السياسة» يستمد أهميته من أهمية وخطورة مادته (السلطة السياسية)، بالنسبة للحياة البشرية العامة. ولعل أبرز مظاهر أهمية «السياسة» (الشؤون السياسية) وأكثر ما يوضح تلك الأهمية هو أن الأخبار والأحداث السياسية تحتل دائماً المقدمة... في اهتمامات الناس، وتلفت جل نظرهم، وتستحوذ على معظم فكر معظمهم. وذلك، لأن الأحداث السياسية تؤثر في أغلب الوقائع والأحداث ـ تقريباً. لهذا، تأتي أولاً، وفي الصدارة... بالنسبة لبقية الأخبار والأحداث. فـ«السياسة» تسيطر غالباً في أغلب الأحداث الكبرى.
* * * *
وفى ظل الحركة الدؤوبة لتطوير التعليم في بلادنا العزيزة، ومحاولات إدخال «مناهج» ومقررات حديثة جديدة في التعليم العام، كمواد في التربية الوطنية، وحقوق الإنسان، والقانون، والفلسفة، وما إلى ذلك، حبذا لو تتم دراسة إدخال مادة «مبادئ علم السياسة»، أو «أساسيات السياسة» في مناهج المرحلة الثانوية، أو في بداية الدراسة الجامعية، ضمن المواد الأساسية، كالثقافة الإسلامية، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية، وغيرها. وبالطبع، يستحسن نزع التعقيد الأكاديمي من هذه المادة، وتبسيطها لكافة الطلاب، مهما كانت خلفيتهم.
إن أي متعلم، أو مثقف، يحتاج -بالضرورة- إلى فهم مبادئ وأسس السياسة، علمياً. لأن معظم هذه المبادئ والأسس تعتبر من أساسيات وعناصر الوعي والثقافة العصرية الناضجة. فمَن، في هذا العصر، لا يحتاج إلى معرفة ماهية السياسة، والمعرفة السياسية، وماهية الدولة، والحكومات، والأحزاب السياسية، والتنظيم الدولي، والنظام العالمي...الخ؟! ونكرر، إن أهمية علم السياسة نابعة، من كون الظاهرة التي يتناولها (السلطة السياسية) أهم الظواهر في الحياة العامة للإنسان... بسبب تأثيرها العميق (إيجاباً وسلباً) في الشأن العام للبشر.
وأهمية مادة مبادئ علم السياسة، للمتعلم والمثقف، تأتى من كونها تحتوى على المبادئ والمفاهيم والنظريات الأساسية... التي تمهد لدراسة وفهم السياسة، وبقية العلوم الاجتماعية، وتمثل، في ذات الوقت، موضوعاً لا غنى عن فهمه، لكل المتعلمين والمثقفين (مهما كان تخصصهم).
إن الدراسة الجادة لتبني تدريس هذه المادة، كمادة ثقافة عامة، ستؤكد أهميتها، وضرورتها، في تعليم حيوي متطور.
كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com